فصل: ومن باب النهي عن المسكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الفأرة تقع في السمن:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها وإن كان مائعًا فلا تقربوه».
قال الشيخ: فيه دليل على أن المائعات لا تزال بها النجاسات وذلك أنها إذا لم تدفع عن نفسها النجاسة فلأن لا تدفع عن غيرها أولى.
وقوله: «لا تقربوه» يحتمل وجهين أحدهما لا تقربوه أكلًا وطعمًا ولا يحرم الانتفاع به من غير الوجه استصباحًا وبيعًا ممن يستصبح به ويدهن به السفن ونحوها، ويحتمل أن يكون النهي في ذلك عامًا على الوجوه كلها.
وقد اختلف الناس في الزيت إذا وقعت فيه نجاسة فذهب نفر من أصحاب الحديث إلى أنه لا ينتفع به على وجه من الوجوه لقوله: «لا تقربوه». واستدلوا فيه أيضًا بما روي في بعض الأخبار أنه قال أريقوه.
وقال أبو حنيفة هو نجس لا يجوز أكله وشربه ويجوز بيعه والاستصباح به.
وقال الشافعي لا يجوز أكله ولا بيعه ويجوز الاستصباح به.
وقال داود إن كان هذا سمنًا فلا يجوز تناوله ولا بيعه وإن كان زيتًا لم يحرم تناوله وبيعه وذلك أنه زعم أن الحديث إنما جاء في السمن وهو لا يعدو لفظه ولا يقبس عليه من طريق المعنى غيره.

.ومن باب الذباب يقع في الطعام:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشر يعنى ابن المفضل عن ابن عجلان، عَن أبي سعيد المقبري، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقُلوه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله».
قال الشيخ: فيه من الفقه أن أجسام الحيوان طاهرة إلاّ ما دلت عليه السنة من الكلب وما ألحق به في معناه.
وفيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء القليل لم ينجسه، وذلك إن غمس الذباب في الإناء قد يأتي عليه فلو كان نجسه إذا مات فيه لم يأمره بذلك لما فيه من تنجيس الطعام وتضييع المال وهذا قول عامة العلماء، إلاّ أن الشافعي قد علق القول فيه فقال في أحد قوليه إن ذلك ينجسه.
وقد روي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال في العقرب يموت في الماء أنها تنجسه وعامة أهل العلم على خلافه.
وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له وقال كيف يكون هذا وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أربها إلى ذلك.
قلت: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل وإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى أن الله سبحانه قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان التي بها بقاؤها وصلاحها لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزأين من حيوان واحد، وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه، وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحًا وتؤخر جناحًا لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذكر إلاّ أولو الألباب.

.ومن باب اللقمة تسقط:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث، وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان. وأمرنا أن نسلت الصحيفة وقال إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يبارك له».
قال الشيخ: سلت الصحيفة تتبع ما يبقى فيها من الطعام ومسحها بالإصبع ونحوه، ويقال سلت الرجل الدم عن وجهه إذا مسحه بأصبعه وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في لعق الأصابع وسلت الصحيفة، وهو قوله: «فإنه لا يدري في أي طعامه يبارك له». يقول لعل البركة فيما لعق بالأصابع والصحفة من لطخ ذلك الطعام. وقد عابه قوم أفسدت عقولهم الترفه وغير طباعهم الشبع والتخمة وزعموا أن لعق الأصابع مستقبح أو مستقذر كأنهم لم يعلموا أن الذي علق بالإصبع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الذي أكلوه وازدردوه فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرًا كذلك. وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه وهو ما لا يعلم عاقل به بأسًا إذا كان المساس والممسوس جميعًا طاهرين نظيفين. وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب فكذلك هذا لا فرق بينهما في منظر حسٍّ ولا مخبر عقل.

.ومن باب إقعاد الخادم على الطعام:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صنع لأحدكم خادمُه طعامًا ثم جاءه به فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام مشفوهًا فليضع في يده منه أُكلة أو أكلتين».
قال الشيخ: المشفوه القليل وقيل له مشفوه لكثرة الشفاه التي تجتمع على أكله والأكلة مضمومة الألف اللقمة والأكلة بفتحها المرة الواحدة من الأكل.
وفيه دليل على أنه ليس بالواجب على السيد أن يسوي بينه وبين مملوكه وبين نفسه في المأكل إذا كان ممن يعتاد رقيق الطعام ولذيذه وإن كان مستحبًا له أن يواسيه منه وإنما عليه أن يشبعه من طعام يقيمه كما ليس عليه أن يكسيه من خير الثياب وثمينه الذي يلبسه وإنما عليه أن يستره بما يقيه الحر في الصيف والبرد في الشتاء وعلى كل حال فإنه لا يخليه من مواساة وإتحاف من خاص طعامه إن لم يكن مواساة ومفاوضة والله أعلم.

.ومن باب ما يقول الرجل إذا طعم:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ثور عن خالد بن معدان، عَن أبي أمامة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة قال الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا».
قال الشيخ: قوله: «غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا»، معناه أن الله سبحانه هو المطعم والكافي وهو غير مطعَم ولا مكفي كما قال سبحانه: {وهو يطعم ولا يطعم} [الأنعام: 14] وقوله: «ولا مودع» أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3] أي ما تركك ولا أهانك ومعنى المتروك المستغنى عنه.

.كتاب الأشربة:

.ومن باب تحريم الخمر:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أبو حيان حدثني الشعبي عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل.
قال الشيخ: فيه البيان الواضح أن قول من زعم من أهل الكلام أن الخمر إنما هو عصير العنب النيئ الشديد منه وإن ما عدا ذلك فليس بخمر باطل.
وفيه دليل على فساد قول من زعم أن لا خمر إلاّ من العنب والزبيب والتمر ألا ترى أن عمر رضي الله عنه أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت وهي تتخذ من الحنطة والشعير والعسل كما أخبر أنها كانت تتخذ من العنب والتمر وكانوا يسمونها كلها خمرًا، ثم ألحق عمر رضي الله عنه بها كل ما خامر العقل من شراب وجعله خمرًا إذ كان في معناها لملابسته العقل ومخامرته إياه، وفيه إثبات القياس وإلحاق حكم الشيء بنظيره.
وفيه دليل على جواز إحداث الاسم للشيء من طريق الاشتقاق بعد أن لم يكن.

.ومن باب الخمر مما هي:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من العنب خمرًا وإن من التمر خمرًا وإن من العسل خمرًا وإن من البر خمرًا وإن من الشعير خمرًا».
قال الشيخ: فيه تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بما قال عمر رضي الله عنه وأخبر عنه في الحديث الأول من كون الخمر عن هذه الأشياء، وليس معناه أن الخمر لا يكون إلاّ من هذه الخمسة بأعيانها وإنما جرى ذكرها خصوصًا لكونها معهودة في ذلك الزمان فكل ما كان في معناها من ذرة وسلت ولب ثمرة وعصارة شجرة فحكمه حكمها كما قلناه في الربا ورددنا إلى الأشياء الأربعة المذكورة في الخبر كل ما كان في معناها من غير المذكور فيه.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى، عَن أبي كثير وهو يزيد بن عبد الرحمن، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة».
قال الشيخ: هذا غير مخالف لما تقدم ذكره من حديث النعمان بن بشير وإنما وجهه ومعناه أن معظم ما يتخذ من الخمر إنما هو من النخلة والعنبة وإن كانت الخمر قد تتخذ أيضًا من غيرهما وإنما هو من باب التأكيد لتحريم ما يتخذ من هاتين الشجرتين لضراوته وشدة سورته وهذا كما يقال الشبع في اللحم والدفء في الوبر ونحو ذلك من الكلام. وليس فيه نفي الشبع عن غير اللحم ولا نفي الدفء عن غير الوبر ولكن فيه التوكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى والله أعلم.

.ومن باب في الخمر تتخذ خلًا:

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي، عَن أبي هبيرة عن أنس بن مالك «أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلًا قال لا».
قال الشيخ: في هذا بيان واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلًا غير جائز ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة عليه، وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وفي إراقته إضاعته فعلم بذلك أن معالجته لا تطهره ولا ترده إلى المالية بحال، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وكره ذلك سفيان وابن المبارك.
وقال مالك لا أحب لمسلم ورث خمرًا أن يحبسها يخللها ولكن إن فسدت خمر حتى تصير خلًا لم أر بأكله بأسًا؛ وقيل لابن المبارك كيف يتخذ الخل بأن لا يأثم الرجل، قال انظر خلًا نقيفًا فصب عليه قدر ما لا يغلبه العصير، فإن غلبه العصير لم يغل. وقال أحمد نحوًا من ذلك، وقال ما يعجبني أن يكون في بيت الرجل المسلم خمر ولكن يصب على العصير من الخل حتى يتغير، ورخص في تخليل الخمر ومعالجتها عطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب أبو حنيفة وشبهه بعضهم بدباغ جلد الميتة، وقال هو محرم يستباح بالعلاج ويستصلح له فكذلك الخمر، وهذا غير مشبه لذلك وإنما يجوز القياس مع عدم النص وههنا نص من السنة وقد منع منه وفي الدباغ نص سنة رخص فيه ودعا إليه فالواجب علينا متابعة كل منهما وترك قياس أحدهما على الآخر.
وقد فرق العلماء في الحكم بين أشياء تتغير بذاتها وبين ما يصير منها إلى التغير بفعل فاعل كالرجل يموت حتف أنفه فيرثه ابنه ولو قتله الابن لم يرثه.
وقد حرم الله صيد الحرم في الحرم، فلو خرج الصيد فأخذ في الحل جاز أكله ولو أخرجه مخرج فذبحه خارج الحرم لم يحل.

.ومن باب النهي عن المسكر:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود ومحمد بن عيسى في آخرين قالوا حدثنا حماد، يَعني ابن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، ومن مات وهو يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الآخرة».
قال الشيخ: قوله: «كل مسكر خمر» يتأول على وجهين أحدهما أن الخمر اسم لكل ما وجد فيه السكر من الأشربة كلها؛ ومن ذهب إلى هذا زعم أن للشريعة أن تحدث الأسماء بعد أن لم تكن. كما لها أن تضع الأحكام بعد أن لم تكن.
والوجه الآخر أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة ووجوب الحد على شاربه وإن لم يكن عين الخمر، وإنما ألحق بالخمر حكمًا إذ كان في معناها. وهذا كما جعل النباش في حكم السارق والمتلوط في حكم الزاني وإن كان كل واحد منهما يختص في اللغة باسم غير الزنا وغير السرقة.
وقوله: «من مات وهو يشرب الخمر يدمنها» فإن مدمن الخمر هو الذي يتخذها ويعاقرها، وقال النضر بن شميل من شرب الخمر إذا وجدها فهو مدمن للخمر وإن لم يتخذها.
وقوله: «لم يشربها في الآخرة» معناه لم يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمر إلاّ أنه لا غول فيها ولا نزف.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب، عَن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِتْع فقال كل شراب أسكر فهو حرام».
قال الشيخ: البتع شراب يتخذ من العسل وفي هذا إبطال كل تأول يتأوله أصحاب تحليل الأنبذة في أنواعها كلها وإفساد قول من زعم أن القليل من المسكر مباح، وذلك أنه سئل عن نوع واحد من الأنبذة فأجاب عنه بتحريم الجنس فدخل فيه القليل والكثير منها. ولو كان هناك تفصيل في شيء من أنواعه ومقاديره لذكره ولم يبهمه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل، يَعني ابن جعفر عن داود بن بكر بن الفُرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
قال الشيخ: هذا أوضح البيان أن الحرمة شاملة لأجزاء المسكر وأن قليله ككثيره في الحرمة، والإسكار في هذا الحديث وإن كان مضافًا إلى كثيره فإن قليله مسكر على سبيل التعاون كالزعفران يطرح اليسير منه في الماء فلا يصبغه حتى إذا أمدَّ بجزء بعد جزء منه فإذا كثر ظهر لونه وكان الصبغ والتلوين مضافًا إلى جميع أجزائه على سبيل التعاون.
وتأوله بعضهم تأولًا فاسدًا فقال إنما وقعت الإشارة بقول فقليله حرام إلى الشربة الآخرة أو إلى الجرعة التي يحدث السكر عقيب شربها لأن الفعل إنما يضاف إلى سببه وسبب السكر هو الشربة الآخرة التي حدث السكر على أثرها لا ما تقدمها منه حين السكر معدوم.
قلت: وهذا تأويل فاسد إذ كان مستحيلًا في العقول وشهادات المعارف أن يعجز كثير الشيء عما يقدر عليه قليله. ولو كان الأمر على ما زعموه لكان لقائل أن يقول إن الله حرم علينا شيئًا لم يجعل لنا طريقًا إلى معرفة عينه لأن الشارب لا يعلم متى يقع السكر به ومن أي أجزاء الشراب يحدث فيه وهذا فاسد لا وجه له، ولو توهمنا الجزء الآخر مشروبًا مفردًا عن غيره غير مضاف ولا مجموع إلى ما تقدمها لم يتوهم وجود السكر فيه حين انضم إلى سائر الأجزاء توهمنا وجوده فعلمنا أن السكر إنما حصل بمجموع أجزائه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا عثمان الأنصاري عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرَق فملء الكف منه حرام».
قال الشيخ: الفرق مكيلة تسع ستة عشر رطلًا وفي هذا أبين البيان أن الحرمة شاملة لجميع أجزاء الشراب المسكر.
وفيه حجة على من زعم أن الإسكار لا يضاف إلى الشراب لأن ذلك من فعل الله سبحانه.
قلت: والأمر وإن كان صحيحًا في إضافة الفعل إلى الله عز وجل فإنه قد يصح أن يضاف إلى الشراب على معنى أن الله تعالى قد أجرى العادة بذلك كما أن إضافة الإشباع إلى الطعام والإرواء إلى الشراب صحيح إذ كان قد أجرى الله العادة به.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد عن عبيدة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وقال كل مسكر حرام».
قال الشيخ: الميسر القمار، والكوبة يفسر بالطبل ويقال هو النرد ويدخل في معناه كل وتر ومزهر في نحو ذلك من الملاهي والغناء.
قال أبو عبيد الغبيراء هو السُّكُرْكة يعمل من الذرة شراب يصنعه الحبشة.
وفي قوله: «كل مسكر حرام» دليل على تحريم الوضوء بالنبيذ المسكر.
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو شهاب عبد ربه بن نافع عن الحسن بن عمرو الفُقيمي عن الحكم بن عتيبة عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر».
قال الشيخ: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف وهو مقدمة السكر نهى عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر والله أعلم.